فصل: تفسير الآيات (68- 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {يَنطِقُ}: صفةُ ل {كِتاب}. و{بالحق} يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب {يَنْطِقُ}، وأنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ، حالًا من فاعلِه أي: يَنْطِق مُلْتسبًا بالحق.
{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)}.
قوله: {هُمْ لَهَا عَامِلُونَ}: كقوله: {هُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.
{حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)}.
قوله: {حتى إِذَآ}: {حتى} هذه: إمَّا حرفُ ابتداءٍ والجملةُ الشرطيةُ بعدَها غايةٌ لِما قبلها، و إذا الثانيةُ فجائيةُ هي جوابُ الشرطيةِ، وإمَّا حرفُ جَرٍّ عندَ بعضِهم. وقد تقدَّم تحقيقُه غيرَ مرةٍ. وقال الحوفيُّ: حتى غايةُ، وهي عاطفةٌ، إذا ظرفٌ مضافٌ لِما بعده، فيه معنى الشرطِ، إذا الثانية في موضعِ جواب الأولى، ومعنى الكلامِ عاملٌ في إذا والمعنى جَاَْرُوا. والعاملُ في الثانيةِ {أَخَذْنا}. وهو كلامٌ لا يَظْهر.
وقال ابن عطية: و{حتى} حرفُ ابتداءٍ لا غيرُ. و إذا والثانيةٌ التي هو جوابٌ تمنعان مِنْ أَنْ تكونَ {حتى} غايةً ل {عامِلُون}. قلت: يعني أن الجملةَ الشرطيةَ وجوابَها لا يَظْهر أَنْ تكونَ غايةً ل {عامِلون}. وظاهرُ كلامِ مكي أنها غايةٌ ل {عامِلون} فإنَّه قال: أي لكفارِ قريش أعمالُ من الشرِّ دونَ أعمالِ أهلِ البرِ لها عاملون، إلى أن يأخذَ اللهُ أهلَ النِّعْمةِ والبَطَرِ منهم إذا هم يَضِجُّون. انتهى.
والجُؤَار: الصُّراخُ مطلقًا. وأنشد الجوهري:
يُراوِحُ مِنْ صَلَواتِ المَلِيْ ** كِ طَوْرًا سُجودًا وطَوْرًا جُؤارا

وقد تقدَّم هذه مستوفىً في النحل.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)}.
قوله: {على أَعْقَابِكُمْ}: فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بـ {تَنْكِصُون}. كقوله: {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ} [الأنفال: 48]؟ والثاني: أنه متعلق بـ محذوفٍ لأنه حال مِنْ فاعلِ {تَنْكِصُون} قاله أبو البقاء ولا حاجةَ إليه. وقرأ أميرُ المؤمنين {تَنْكُصُون} بضم العين. وهي لغةٌ.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}.
قوله: {مُسْتَكْبِرِينَ}: حالٌ مِنْ فاعل {تَنْكِصُون}. قوله: {به} فيه قولان، أحدُهما: أنَّه يتعلقُ ب {مُسْتكْبرين}. والثاني أنه متعلق بـ {سامِرًا}. وعلى الأولِ فالضميرُ للقرآن أو للبيتِ شَرَّفه اللهُ تعالى، أو للرسولِ صلى الله عليه وسلم أو للنُكوصِ المدلولِ عليه ب {تَنْكِصون}، كقوله: {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ} [المائدة: 8]. والباءُ في هذا كلِّه للسببية؛ لأنه استكبروا بسببِ القرآنِ لَمَّا تُلِيَ عليهم، وبسببِ البيتِ لأنَّهم يقولون: نحن وُلاتُه وبالرسولِ لأنهم يقولون: هو مِنَّا دونَ غيرِه، أو بالنُّكوصِ لأنه سببُ الاستكبارِ. وقيل: ضَمَّنَ الاستكبارَ معنى التكذيبِ؛ فلذلك عُدِّيَ بالباءِ، وهذا يَتَأَتَّى على أن يكونَ الضميرُ للقرآنِ أو للرسولِ.
وأمَّا على الثاني وهو تَعَلُّقُه ب {سامِرًا} فيجوزُ أن يكونَ الضميرُ عائدًا على ما عادَ عليه فيما تقدَّم، إلاَّ النكوصَ لأنهم كانوا يَسْمُرُون بالقرآن وبالرسول أي: يجعلونَهما حديثًا لهم يَخُوضون في ذلك كما يُسْمَرُ بالأحاديث، وكانوا يَسْمُرُون في البيتِ، فالباء ظرفيةٌ على هذا، و{سامِرًا} نصبٌ على الحالِ: إمَّا مِنْ فاعل {تَنْكِصُون}، وإمَّا مِنَ الضمير في {مُسْتَكْبرين}.
وقرأ ابنُ مسعود وابنُ عباس وأبو حيوة وتروى عن أبي عمرٍو {سُمَّرًا} بضمِّ الفاءِ وفتحِ العين مشددةً. وزيد بن على وأبو رجاء وابن عباس أيضًا {سُمَّارًا} كذلك، إلاَّ أنَّه بزيادةِ ألفٍ بين الميمِ والراء، وكلاهما جمعٌ ل {سامِِر}. وهما جمعان مَقيسان ل فاعِل الصفةِ نحو: ضُرَّب وضُرَّاب في ضارِب. والأفصحُ الإِفرادُ؛ لأنه يقعُ على ما فوق الواحِد بلفظ الإِفرادِ تقول: قومٌ سامِرٌ. والسَّامِرُ مأخوذٌ من السَّمَرِ وهو سَهَرُ الليلِ، مأخوذٌ من السَّمَرِ وهو ما يقعُ على الشجر من ضوءِ القمر، فيجلِسُون إليه يتحدثون مُسْتَأْنِسين به. قال الشاعر:
كأَن لم يكُنْ بين الحَجونِ إلى الصَّفا ** أنيسٌ ولم يَسْمُرْ بمكةَ سامِرُ

وقال الراغب: السَّامِرُ: الليلُ المظلم، ولا آتِيْكَ ما سَمَر ابنا سَمِيرٍ، يَعْنُون الليل والنهار. والسُّمْرة: أحدُ الألوان، والسَّمْراء: كُني بها عن الحِنْطة.
قوله: {تَهْجُرُونَ} قرأ العامَّةُ بفتح التاءِ وضمِّ الجيمِ، وهي تحتمل وجهين، أحدهما: أنَّها مِن الهَجْرِ بسكونِ الجيمِ، وهو القطع والصَّدُ، أي: تهجُرُون آياتِ الله ورسولَه وتَزْهَدون فيهما، فلا تَصِلُونهما. الثاني: أنها من الهَجَرِ بفتحها وهو الهَذَيانُ. يقال: هَجَر المريضُ هَجَرًا أي هذى فلا مفعولَ له. ونافع وابن محيصن بضم التاءِ وكسرِ الجيم مِنْ أهجر إهْجارًا أي: أَفْحَشَ في مَنْطِقِه. قال ابن عباس: يعني سَبَّ الصحابةِ. زيد بن على وابن محيصن وأبو نهيك بضمِّ التاءِ وفتحِ الهاء وكسرِ الجيمِ مشددةً مضارعَ هَجَّر بالتشديد. وهو محتمِلٌ لأَنْ يكونَ تضعيفًا للهَجْر أو الهَجَر أو الهُجْر. وقرأ ابن أبي عاصم كالعامَّةِ، إلاَّ أنَّه بالياءِ من تحتُ وهو التفاتٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}.
المطالباتُ في الشريعةِ مَضْمَّنَةٌ بالسهولة، وأمَّا مطالباتُ الحقيقة فكما قالوا: ليس إلاَّ بَذْل الروح، ولهذا فهم لا تشغلهم التُّرَّهَات. قال لأهل الرخص والمستضعفين في الحال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وأمَّا أربابُ الحقائق؛ فقال: {وَإِن تُبْدُوا مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284] وقال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] وقال: {وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78].
قوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}: ولولا غفلتُهم عن مواضع الحقيقة لما خوَّفهم بكتابة المَلَكِ، ولكن غفلوا عن شهود الحق فخوَّفهم باطلاعِ الملائكة، وكتابَتِهم عليهم أعمالهم.
{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)}.
لا يَصْلُحُ لهذا الشأن إلا من كان فارغًا من جميع الأعمال، ولا شغلَ له في الدنيا والآخرة، فأمَّا مَنْ له شُغْلٌ بدنياه، أو على قلبِه حديثُ عقباه، فليس له نصيبٌ من حديث مولاهـ. وفي الخبر «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ».
ويقال أصحاب الدنيا مشغولون بدنياهم، وأرباب العُقبى مشغولون بعُقباهم، وأهل النار مشغولون بما ينالهم من بلواهم؛ وإن الذي له في الدنيا والآخرة غير مولاه- حين الفراغ- عزيز؛ قال تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ في شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس: 55].
{حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)}.
إنه- سبحانه- يُمْهِلُ ولكنَّه لا يُهْمِلُ؛ فإذا أَخَذَ فَبَطْشُه شديدٌ، قال تعالى: {إِنَّ بَطَشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12]... فإذا أَخَذَ أصجابُ الكبائرِ- حين يحلْ بهم الانتقامُ- في الجوابِ رُدُّا في الهوان.
{لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)}.
فإذا انفصل من الغيبِ حُكْمٌ فلا مَرَدَّ لتقديره. ويقال للجناية سراية؛ فإذا أمسك الجاني عن الجناية فلا ينفعه ذلك ما لم يمض حكم السراية.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}.
ذَكَرَ هذا من باب إملاءِ العُذْرِ، وإلزام الحجة، والقطع بألا ينفعَ- الآنَ- الجزعُ ولا يُسْمَعُ العُذْرُ، والملوكُ إذا أبرموا حُكْمًا، فالاستغاثةُ غيرُ مُؤَثِّرَةٍ في الحاصل منهم، قال قائلهم:
إذا انصرفَتْ نفسي عن الشيء لم تكد ** إليه بوجهٍ آخِرَ الدهرِ تُقْبِلُ

. اهـ.

.تفسير الآيات (68- 71):

قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت الآيات- لما فيها من البلاغة المعجزة، والحكم المعجبة داعية إلى تقبلها بعد تأملها، وكانوا يعرضون عنها ويفحشون في وصفتها تارة بالسحر وأخرى بالشعر، وكرة بالكهانة ومرة بغيرها، تسبب عن ذلك الإنكار عليهم فقال معرضًا عنهم إيذانًا بالغضب مسندًا إلى الجمع الذي هو أولى بإلقاء السمع: {أفلم يدبروا القول} أي المتلو عليهم بأن ينظروا في أدباره وعواقبه ولو لم يبلغوا في نظرهم الغاية بما أشار إليه الإدغام، ليعلموا أنه موجب للإقبال والوصال، والوصف بأحسن المقال، لعله عبر بالقول إشارة إلى أن من لم يتقبله ليس بأهل لفهم شيء من القول بل هو في عداد البهائم {أم جاءهم} في هذا القول من الأوامر بالتوحيد الآتي بها الرسول الذي هو من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وما ترتب على ذلك من الأوامر التي لا يجهل حسم فعلها عاقل، والنواهي التي- كما يشهد بقبح إتيانها العالم- يقطع بها الجاهل، وبالرسالة برسول من البشر {ما لم يأت آباءهم الأولين} الذين بعد إسماعيل وقبله.
ولما كان الرجل الكامل من عرف الرجال بالحق، بدأ بما أشار إليه ثم أعقبه بمن يعرف الشيء للألف به، ثم بمن يعرف الحق بالرجال فقال: {أم لم يعرفوا رسولهم} أي الذي أتاهم بهذا القول الذي لا قول مثله، ويعرفوا نسبه وصدقه وأمانته، وما فاتهم به من معالي الأخلاق حتى أنهم لا يجدون فيه- إذا حقت الحقائق- نقيصة يذكرونها، ولا صمة يتخيلونها، كما دلت عليه الأحاديث الصحاح منها حديث أبي سفيان بن حرب- رضي الله عنهم- الذي في أول البخاري في سؤال هرقل ملك الروم له عن شأنه- صلى الله عليه وسلم- {فهم} أي فتسبب عن جهلهم به أنهم {له} أي نفسه أو للقول الذي أتى به {منكرون} فيكونوا ممن جهل الحق لجهل حال الآتي به، فلم يحرز شيئًا من رتبتي الناس، لا رتبة العلماء الناقدين، ولا رتبة الجهال المتقلدين، وفي هذا غاية التوبيخ لهم بجهلهم وبعنادهم بأنهم يعرفون أنه أصدق الخلق وأعلاهم في كل معنى جميل ثم يكذبونه.
ولما فرغ بما قد يجر إلى الطعن في القول أو القائل، أشار إلى العناد في أمر القائل والقول والرسول بقوله: {أم يقولون} أي بعد تدبر ما أتى به وعدم عثورهم فيه على وجه من وجوه الطعن {به} أي برسولهم {جنة} أي فلا يوثق به لأنه قد يخلط فيأتي بما فيه مطعن وإن خفي وجه الطعن فيه في الحال.
ولما كانت هذه الأقسام منتفية ولا سيما الأخير المستلزم عادة للتخليط المستلزم للباطل، فإنهم أعرف الناس بهذا الرسول الكريم وأنه أكملهم خلقًا، وأشرفهم خلقًا، وأطهرهم شيمًا، وأعظمهم هممًا، وأرجحهم عقلًا، وأمتنهم رأيًا وأرضاهم قولًا، وأصوبهم فعلًا، اضرب عنها وقال: {بل} أي لم ينكصوا عند سماع الآيات ويسمروا ويهجروا لاعتقاد شيء مما مضى، وإنما فعلوا ذلك لأن هذا الرسول الكريم {جاءهم بالحق} الذي لا تخليط فيه بوجه، ولا شيء أثبت منه ولا أبين مما فيه من التوحيد والأحكام، ولقد أوضح ذلك تحديهم بهذا الكتاب فعجزوا فهو بحيث لا يجهله منصف {وأكثرهم} أي والحال أن أكثرهم {للحق كارهون} متابعة للأهواء الرديئة والشهوات البهيمية عنادًا، وبعضهم، يتركونه جهلًا وتقليدًا أو خوفًا من أن يقال: صبأ، وبعضهم يتبعه توفيقًا من الله وتأييدًا.
ولما كان ربما قيل: ما له ما كان بحسب أهوائهم فكانوا يتبعونه ويستريح ويستريحون من هذه المخالفات، التي جرت إلى المشاحنات، فأوجبت أعظم المقاطعات، قال مبينًا فساد ذلك، ولعله حال من فاعل كاره، فإن جزاءه خبري مسوغ لكونه حالًا كما ذكره الشيخ سعد الدين في بحث المسند، أو هو معطوف على ما تقديره: فلو تركوا الكره لأحبوه ولو أحبوه لاتبعوه ولو اتبعوه لانصلحوا وأصلحوا {ولو اتبع الحق} أي في الأصول والفروع والأحوال والأقوال {أهواءهم} أي شهواتهم التي تهوي بهم لكونها أهواء- بما أشار إليه الافتعال {لفسدت السماوات} على علوها وإحكامها {والأرض} على كثافتها وانتظامها {ومن فيهن} على كثرتهم وانتشارهم وقوتهم، بسبب ادعائهم تعدد الآلهة، ولو كان ذلك حقًا لأدى ببرهان التمانع إلى الفساد، وبسبب اختلاف أهوائهم واضطرابها المفضي إلى النزاع كما ترى من الفساد عند اتباع بعض الأغراض في بعض الأزمان إلى أن يصلحها الحق بحكمته، ويقمعها بهيبته وسطوته، ولكنا لم نتبع الحق أهواءهم {بل أتيناهم} بعظمتنا {بذكرهم} وهو الكتاب الذي في غاية الحكمة، ففيه صلاح العلم وتمام انتظامه، فإذا تأمله الجاهل صده عن جهله فسعد في أقواله وأفعاله، وبان له الخير في سائر أحواله، وإذا تدبره العالم عرج به إلى نهاية كماله، فحينئذ يأتي السؤال عمن أنزله، فتخضع الرقاب، وعمن أنزل عليه فيعظم في الصدور، وعن قومه فتجلهم النفوس، وتنكس لمهابتهم الرؤوس، فيكون لهم أعظم ذكر وأعلى شرف.
ولما جعلوا ما يوجب الإقبال سببًا للإدبار، قال معجبًا منهم: {فهم عن ذكرهم} أي الذي هو شرفهم {معرضون} لا يفوتنا بإعراضهم مراد، ولا يلحقنا به ضرر، إنما ضرره عائد إليهم، وراجع في كل حال عليهم. اهـ.